فصل: 281- باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إِلا لحاجةٍ وَهُوَ أن يتحدثا سرًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.281- باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إِلا لحاجةٍ وَهُوَ أن يتحدثا سرًا:

بحيث لا يسمعهما وفي معناه مَا إِذَا تحدثا بلسان لا يفهمه.
قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: 10]
قال ابن كثير: أي إنما النجوى، وهي المساررة حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا {مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، أي: لِيَسؤهم.
وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، ومن أحسَّ من ذلك شيئًا فليستعذ بالله، وليتوكل على الله، فإنه لا يضره شيء بإذن الله.
1598- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كانُوا ثَلاثَةً، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ». متفق عَلَيْهِ.
ورواه أَبُو داود وزاد: قَالَ أَبُو صالح: قُلْتُ لابنِ عُمرَ: فَأرْبَعَةً؟ قَالَ: لا يَضُرُّكَ.
ورواه مالك في (الموطأ): عن عبد الله بن دينارٍ، قَالَ: كُنْتُ أنَا وابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بنُ عُقْبَةَ الَّتي في السُّوقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يُنَاجِيَهُ، وَلَيْسَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَدَعَا ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً، فَقَالَ لِي وَللرَّجُلِ الثَّالِثِ الَّذِي دَعَا: اسْتَأْخِرَا شَيْئًا، فَإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: «لا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ».
1599- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أجْلِ أنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ». متفق عَلَيْهِ.
فيه: النهي عن التناجي، إلا أن يكونوا أربعة فما فوق؛ لأنه يؤذي الواحد ويحزنه.

.282- باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أَوْ زائد عَلَى قدر الأدب:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَبِالوَالِدَيْنِ إحْسانًا وَبِذي القُرْبَى واليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ والصَّاحِبِ بالجَنْبِ وابْنِ السَّبيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتالًا فَخُورًا} الآية [النساء: 36].
قال ابن كثير: أي مختالًا في نفسه، معجبًا متكبرًا فخورًا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض.
قال مجاهد: يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمة وهو قليل الشكر لله.
1600- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ». متفق عَلَيْهِ.
«خَشَاشُ الأرضِ» بفتح الخاءِ المعجمة وبالشينِ المعجمة المكررة، وهي: هَوَامُّها وَحَشَرَاتُهَا.
في هذا الحديث: تحريم حبس الحيوان وإجاعته.
1601- وَعَنْهُ: أنَّهُ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. متفق عَلَيْهِ.
«الغَرَضُ» بفتحِ الغَين المعجمة والراءِ وَهُوَ الهَدَفُ وَالشَّيءُ الَّذِي يُرْمَى إِلَيْهِ.
فيه: أن تعذيب الحيوان من غير سبب شرعي من الكبائر.
1602- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ البَهَائِمُ. متفق عَلَيْهِ. ومعناه: تُحْبَسُ لِلقَتْلِ.
في هذا الحديث: تحريم صبر البهائم.
قال العلقمي: هو أن يمسك الحي، ثم يرمي بشيء حتى يموت.
1603- وعن أَبي عليٍّ سويدِ بن مُقَرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ مَا لَنَا خَادِمٌ إِلا وَاحِدَةٌ لَطَمَهَا أصْغَرُنَا فَأَمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُعْتِقَهَا. رواه مسلم.
وفي روايةٍ: «سَابعَ إخْوَةٍ لِي».
حكمة الأمر بعتقها، ليكون كفارة لضربها.
ففيه: غلظ تعذيب المملوك والاعتداء عليه.
1604- وعن أَبي مسعودٍ البدْرِيِّ رضي الله عنه قال: كُنْتُ أضْرِبُ غُلامًا لِي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتِ مِنَ الغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فإذا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلامِ». فَقُلتُ: لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
وَفِي روايةٍ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ.
وفي روايةٍ: فَقُلتُ: يَا رسولَ الله، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: «أما لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ». رواه مسلم بهذه الروايات.
فيه: تحريم ضرب المملوك من غير موجب شرعي.
1605- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ضَرَبَ غُلاَمًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فإِنَّ كَفَارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ». رواه مسلم.
قال القاضي عياض: أجمعوا على أن الإعتاق غير واجب، وإنما هو مندوب.
وفي الحديث: الرفق بالمماليك إذا لم يذنبوا، أما إذا أذنبوا، فقد رخص صلى الله عليه وسلم بتأديبهم بقدر إثمهم، ومتى زاد يؤخذ بقدر الزيادة.
1606- وعن هِشام بن حكيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنهما: أنَّه مَرَّ بالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ، وَقَدْ أُقيِمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الزَّيْتُ! فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قيل: يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ- وفي رواية: حُبِسُوا في الجِزْيَةِ- فَقَالَ هِشَامٌ: أشهدُ لَسَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيَا». فَدَخَلَ عَلَى الأمِيرِ، فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا. رواه مسلم.
«الأنباط» الفلاحون مِنَ العَجَمِ.
فيه: تحريم تعذيب الناس حتى الكفار بغير موجب شرعي.
1607- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِمَارًا مَوْسُومَ الوَجْهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «واللهِ لاَ أسِمُهُ إِلا أقْصَى شَيْءٍ مِنَ الوَجْهِ» وأمَرَ بِحِمَارِهِ فَكُوِيَ في جَاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أوَّلُ مَنْ كَوَى الجَاعِرَتَيْنِ. رواه مسلم.
«الجَاعِرَتَانِ»: نَاحِيَةُ الوَرِكَيْنِ حَوْلَ الدُّبُرِ.
في هذا الحديث: تحريم الوسم في الوجه.
1608- وعنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ، فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ». رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أَيضًا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ في الوَجْهِ، وَعَنِ الوَسْمِ في الوَجْهِ.
في هذا الحديث: تحريم وسم الوجه، وضرب الوجه من البهائم والآدميين.

.283- باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حَتَّى النملة ونحوها:

1609- عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: بعثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْثٍ فَقَالَ: «إنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلانًا» لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا «فَأَحْرِقُوهُمَا بالنَّارِ» ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِيْنَ أرَدْنَا الخرُوجَ: «إنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أنْ تُحْرِقُوا فُلانًا وفُلانًا، وإنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ الله، فإنْ وَجَدْتُمُوهُما فاقْتُلُوهُما». رواه البخاري.
قال البخاري: باب لا يعذب بعذاب الله. وذكر الحديث.
وحديث عكرمة: أن عليَّا رضي الله عنه حرّق قومًا. فبلغ ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله»، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدَّل دينه فاقتلوه».
قال الحافظ: واختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما.
وقال المهلب: ليس هذا النهي فيه للتحريم، بل على سبيل التواضع.
قال الحافظ: وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم.
وفيه: كراهة قتل مثل البرغوت بالنار.
قوله: «لا تعذبوا بعذاب الله». هذا أصرح في النهي من الذي قبله. انتهي ملخصًا.
1610- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْها». ورأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: «إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قَوْله: «قَرْيَةُ نَمْلٍ» مَعْنَاهُ: مَوضْعُ النَّمْلِ مَعَ النَّمْلِ.
قال أبو داود: باب في كراهية حرق العدو بالنار، وذكر الحديثين.
قال الخطابي: هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرًا قد ظفر به، وحصل في الكف. وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرم النار على الكفار في الحرب، وقال لأسامة: «اغز على أبنا صباحًا، وحرق».
ورخَّص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمى أهل الحصون بالنيران، إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون، إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار.
وقال على حديث ابن مسعود: وفيه دلالة على أن تحريق بيوت الذنابير مكروه، وأما النمل فالعذر فيه أقل. وذلك أن ضرره قد يمكن أن يزال من غير إحراق.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ نبيًّا من الأنبياء نزل على قرية نمل، فقرصته نملة، فأمر بالنمل فأحرقت، فأوحي إليه ألا نملة واحدة».
قال: والنمل على ضربين: أحدهما مؤذٍ ضَرَّار فَدَفْعُ عاديته جائز، والضرب الآخر: لا ضرر فيه وهو الطوال الأرجل لا يجوز قتله.